اتجاهات في تفسير التنوع الحيوي “2”

تعرفنا في الجزء الأول من المقال على نظرية التطور. في هذا الجزء من المقال، نتعرف على نظرية التصميم الذكي، وهي النظرية العلمية المقابلة لنظرية التطور.

التصميم الذكي:
بدأت حركة التصميم الذكي أوائل التسعينات من القرن العشرين. نشأت في مقابل التطور، كنظرية علمية تحاول تقديم فروض علمية لتفسير نشوء الأنواع الحية في ضوء المكتشفات العلمية التي لم تكن متاحة في عهد داروين ولا فريق الدراونة الجُدد الذين وضعوا النظرية التركيبية الحديثة، وتتعارض فرضياتها تماماً مع فرضيات التطور.

والتصميم الذكي نظرية علمية لتفسير التنوع البيولوجي، وليست نظرية دينية مرادفة لنظرية الخلق كما يُشيع عنها التطوريون؛ فهي تضع فرضيات متناسقة، تتعلق باقتراحات محددة، كما أنها تشكل إضافة علمية وتهذيباً للنظريات السابقة عليها في المجال نفسه، ولها قيمة تفسيرية وقيمة تنبُّؤية، وفرضياتها قابلة للاختبار، وقابلة للتخطئة، وقابلة للتعديل والتصحيح في ضوء نتائج التجارب، فهي مفتوحة أمام الفحص التجريبي.

تضع نظرية التصميم الذكي فرضيات علمية لتفسير نشأة الأنواع الحية، وتتبنى توجهاً مناهضاً للدور العشوائي اللاغائي الذي تعطيه نظرية التطور للطبيعة كأداة فاعلة في الخلق، وتناهض دعاوى التطوريين عن وجود عيوب في تصميم الأنواع الحية؛ لكونها تطورت بعضها من بعض، فنشأت العيوب نتيجة السمكرة وإعادة التخليق، ولا تعترف بوجود أعضاء أثرية بلا وظيفة أو غيّرت وظيفتها عبر المشوار التطوري.

بل على النقيض، ترى نظرية التصميم الذكي في الأنظمة الحيوية تعقيدات وظيفية متخصصة وتعقيدات غير قابلة للاختزال، ومن ثم تعجز الرؤية التطورية التدرجية التراكمية عن تفسيرها.

وتفسر النظرية خلق الأنواع الحية بأنه تم من قِبل مصمم ذكي، ولكن عكس نظريات الخلق الدينية لا تُسمي الله كخالق وتحدده على أنه ذلك المصمم الذكي، فتحديد المصمم أمر يخرج عن قدرة العلم. وترى النظرية أن الخلق الخاص لكل نوع حي يتناسب كفرضية تفسيرية مع التصميم الذكي، بينما التطور التدريجي للأنواع الحية بعضها من بعض لا يتواءم مع التصميم.

http://ift.tt/2m3dye8
http://ift.tt/2muzNgA

تتعدى نظرية التصميم الذكي تقديم تفسير لنشوء الأنواع الحية، وهي الحدود التي تتناولها نظرية التطور؛ إذ تقدم التصميم الذكي تفسيراً لنشأة الكون ككل، يُستدل عليه من خلال التوافق الدقيق للكون.

منذ أن بدأت حركة التصميم الذكي، والتطوريون يشيعون عن أصحابها أنهم خَلْقَوِيُّون، لكن اللافت أن المنضمين إلى حركة التصميم الذكي بعضهم دينيون مع اختلاف دياناتهم، وبعضهم لا أدريون؛ وأشهرهم البروفيسور ديفيد برلنسكي.

وكان من أشهر المنضمين إلى حركة التصميم الذكي من بدايتها البروفيسور دين كينيون أحد المشاركين في وضع نموذج شهير لتفسير نشأة البروتين في بدء الخلق من خلال الأُلفة الكيميائية للأحماض الأمينية، بعد أن تراجع عن نموذجه واعترف بعدم وجود قيمة تفسيرية له، وكذلك البروفيسور أنتوني فلو، الذي قضى عمره في الإلحاد، ثم عاد عنه وصنّف كتاب “هناك إله” أعلن فيه تراجعه عن إلحاده، وانضم إلى حركة التصميم الذكي.

ويعتبر معهد ديسكفري هو الجهة الرسمية التي تتبنى نشر أبحاث التصميم الذكي، ويوجد في الولايات المتحدة الأميركية. كما أن المعارضة لحركة التصميم الذكي تأتي من جهات رسمية في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. على سبيل المثال: صرّحت الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة بأن التصميم الذكي ليس علماً؛ لكونه يفترض أصلاً خارقاً للطبيعة في نشأة الحياة، واتهم النظرية بأنها لا تقترح أية فرضيات خاصة بها، ولا يمكن إخضاعها للتجربة، كما أنه لا يمكن التنبؤ منها بشيء!

National Academy of Sciences, (1999). Science and Creationism: A View from the National Academy of Sciences, Second Edition

في المقابل، يرى مُنظِّرو التصميم أن هذه التصريحات شكّلت درجة عالية من التحيز لنظرية التطور، والتجنّي في المقابل على نظرية التصميم، وأن نظرية التصميم لها فرضياتها القابلة للاختبار؛ وأهمها: التعقيد المتخصص، والتعقيد غير القابل للاختزال في الأنظمة الكونية والحيوية.

كما أن النظرية تحقق أهداف العلم الثلاثة (التفسير – التنبؤ – الضبط)؛ فهي:‏ تقدم تفسيراً متسقاً غير متعاكس للضبط الدقيق في الكون، وللدقة التي خُلِقت بها أجسام ‏الأنواع الحية، وللقدرة على التكيف الموجودة في المناطق التنظيمية من جيناتها.‏ ويمكن من خلالها التنبؤ بالكثير في ضوء فرضياتها مثل توسع أو انكماش الكون، ووصول كائن ما للشيخوخة ‏أو الإصابة بمرض.

ونظرية التصميم لا تفترض أن الانتواع يحدث من نوع لآخر حتى تُطالب بالتنبؤ بظهور نوع جديد، فهذه فرضيات التطور وليست فرضياتها، فما بالنا ونظرية التطور ذاتها تعجز عن هذا التنبؤ.‏ كما يمكن أن نضبط الكثير من العوامل في ضوء فهمنا لنظام الكون والأنظمة الحيوية المتخصصة للأنواع المختلفة.

‏كما أن التصميم الذكي قابل للتخطئة. من فرضياته الأساسية، أن التعقيد في الكون وفي الأنظمة الحيوية غير قابل للاختزال، وأن هذه التعقيدات متخصصة. هذه ‏الفرضيات ليست فقط قابلة للدحض؛ بل ولم يتم دحضها، وثبتت صحتها، فبالتجريب على الكثير من ‏الأنظمة الحيوية ثبت أن غياب جزء واحد فقط عن أي نظام حيوي يجعله يتوقف تماماً عن أداء وظيفته.

يقول د.مايكل بيهي، أحد أقطاب التصميم الذكي: “الآن، لا يمكن للمرء أن يكون في كلا الاتجاهين. لا يمكن للمرء أن يقول كلاً من: إن التصميم الذكي غير قابل للتخطئة (أو غير قابل للاختبار)، وأن يقول أيضاً إن هناك أدلة ضده. إما أنه لا يمكن تخطئته ويطفو بهدوء على الجانب الآخر للتخطيء التجريبي، وإما أنه يمكن انتقاده على أساس ملاحظاتنا، ومن ثم هو قابل للاختبار. وحقيقة أن المراجعين الناقدين يدفعون الحجج العلمية ضد التصميم الذكي (سواء بنجاح أم لا) تدل على أن التصميم الذكي هو في الواقع قابل للتخطئة.

Now, one can’t have it both ways. One can’t say both that ID is unfalsifiable (or untestable) and that there is evidence against it. Either it is unfalsifiable and floats serenely beyond experimental reproach, or it can be criticized on the basis of our observations and is therefore testable. The fact that critical reviewers advance scientific arguments against ID (whether successfully or not) shows that intelligent design is indeed falsifiable.
http://ift.tt/2pKzKuk

لا يمكن تبسيط أي نظام حيوي مهما صغر، ولا يمكن إعطاء تفصيلات تدعم أن أي نظام حيوي هو نظام مبني بشكل تراكمي قابل للاختزال كما يزعم التطوريون. هذه هي ‏الحقيقة التي تدعمها الكيمياء الحيوية، وهذا هو صلب التصميم الذكي.

الرؤية التطورية في ‏المقابل كانت غالباً تعجز عن إعطاء تفسير مفصّل لتكوّن أي نظام حيوي مما تفترض تكوُّنه بشكل تراكمي، كما أن تفسيراتها المبسطة غير المفصّلة -‏ومن ثم غير العلمية؛ لأن العلم يكمن في التفاصيل- تتناقض في أحيان كثيرة.‏

ونظراً لهذا النقد الذي كثيراً ما وُجِّه للتفسيرات التطورية، فقد لجأوا في العقدين الأخيرين إلى محاولة إعطاء تفصيلات أكثر للخطوات التراكمية التي تُكوِّن بعض الأنظمة الحيوية وفق تصوراتهم، وسنعرض تفصيلاً في مقال لاحق لبعض سيناريوهات التطوريين التي طرحوها لخطوات بناء بعض الأنظمة المعقدة كتخثر الدم، واعتراض التسقيل الذي يقدمونه للدفع بإمكانية أن يقوم التطور ببناء أنظمة معقدة عن طريق استغلال جزئيات كدعامات يتم الاستغناء عنها بعد ذلك، وسنرى كيف تنقص سيناريوهاتهم التفصيلات المنطقية كما هو متطلب في النقد العلمي.
http://ift.tt/2nZ7TFS

أما بالنسبة للنظام الكوني، فيكفي تغيير قيمة أحد الثوابت الكونية نظرياً لتثبت لنا المعادلات ‏الرياضية كيف سينهار الكون بأكمله.‏ وهذا يعني صمود فرضيات التصميم الذكي أمام الفحص. فإن كانت هناك نظرية لا يمكن اختبار فرضياتها، وليست لها أي قيمة تفسيرية، وتحيل إلى المجهول؛ فهي التطور وليس التصميم الذكي.

في الجزء التالي والأخير من المقال، نختم جولتنا بالتعرف على نظرية الخَلْقَوية، وتيار ‏التطور الموجه، وأخيراً الاتجاه الثالث في التطور.‏

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

— This feed and its contents are the property of The Huffington Post, and use is subject to our terms. It may be used for personal consumption, but may not be distributed on a website.